المطهر
لقد طالت الرحلة...ما ظننت أنه سيحل فى غضون شهور، لم يحل، بل زادت التعقيدات و أصبح- ما يسميه الممثل توم كروز- مهمة المستحيلة. فى بداية الطريق أخترت أن أصدق المقولة "كل شىء ممكن" و لكن مع توالى الأيام أصبحت أدرك أن هذه المقولة الشهيرة هى كذبة كبيرة يتبادلها الناس لأضفاء القليل من الأمل المزيف الى حياة فارغة و مملة. أيقنت أننى كنت أعانى من السذاجة المفرطة و أن تلك القصص التى كانت تقصهاعلى أمى و أنا صغيرة دمرت جزء كبير من خلايا مخى، لدرجة أنى كنت أؤمن بالسحر و عروس البحر و الأشكيف المخيف. فى عقلى الصغير، كل تلك الأشياء أختلطت بالواقع و أصبحت جزء لا يتجزأ مما أتوقعه لنفسى فى الحياة المستقبلية. و أعتقدت أننى عندما أصبح بالغة، سوف أحارب المخلوقات الشريرة كساحرة طيبة وأنقذ الناس من مصائد الساحرات الشريرات بمساعدة قطتى السوداء ذات العيون الخضراء. لم أدرك أن الحياة أكثر تعقيدا من ذلك بكثير و لم أدرك أن عقلى اللا واقعى سوف يوقعنى فى مشاكل لا تحصى.
طالما كنت دخيلة على هذا العالم منذ الصغر، قضيت معظم وقتى فى المدرسة بمفردى أو مع صحبة القطط الضالة، كنت أتشارك طعامى معهم على أمل أن يسمحوا لى باللعب معهم. أدركت فى سن الثامنة أن لا يوجد سحر فى العالم و أن النوع الوحيد الموجود يتطلب التضحية بأصدقائى الوحيدين فى الدنيا و هو عامة سحر أسود يشوه الروح و الجسد. شعرت بخيبة أمل كبيرة و لكننى سرعان ما عدلت من توقعاتى و بعد مشاهدة عدة حلقات من برنامج د. حامد جوهر العلمى "عالم البحار"، قررت أن هدفى سيكون العثور على عروس بحر فى البحر الأحمر و أستكشاف عالم البحار بجانب د.حامد جوهر. للأسف تحطم هذا الهدف عندما قالت لى أمى أن عروس البحر ليس لها وجود فى عالمنا هذا.
تكرر هذا السيناريو عدة مرات و بأشكال مختلفة حتى يومنا هذا.
حتى بعدما أصبحت أستطيع أن أفرق بين الخيال و الواقع فى سن الحادية عشر وحتى بعد ما بدلت قصص هانز كريستين أندراسون، بروايات أل.أم.مونتجومرى و عباس العقاد ثم شيكسبير وتوفيق الحكيم. صرت أعانى من الأكتئاب و فقدان الهوية فى سن مبكرة مصاحبة بعدوانية شديدة ضد الاغراب. كنت على يقين أن فى يوم من الأيام سوف أدرك ذاتى و كنت على أستعداد أن أبذل قصارى جهدى لتحقيق ذلك... كان ذلك فى بداية الطريق عندما كان لايزال يوجد بعض من الأمل فى روحى الصغيرة.
لست بضحية و أكره أن أفكر فى نفسى بهذا المنطلق، أننى ألوم نفسى معظم الوقت لأننى لم أدرك حقائق عالمنا هذا فى وقت مبكر و لكن فى نفس الوقت لا تعجبنى هذه الحقائق و أرفضها معظم الوقت و لذلك ترانى أتواجد على هامش الواقع و الخيال، لست أحى فى أى عالم منهما و لكن أتشبث بخصائص من كل واحد فى أنتظار شىء لا أعرفه، المكون الضائع الذى سوف يبرر لى أخيرا سبب وجودى فى تلك الدنيا.
أعتقد أن هذا المكون الضائع لن يجد طريقه الى أبدا و سأبقى فى حالة من حالات الايقين حتى الموت و مع مرور الأيام سوف أفقد شىء من نفسى تدريجيا حتى يبقى جسد خالى من الروح، محتجزا فى ما يطلق عليه بعض الكاثوليك المطهر(purgatory) و لكن فى الدنيا بدلا من الآخرة.
P.S. :This post goes out to Mahdeto, the second reader of this blog and the one who requested something in Arabic. I don't know why it became so depressing, but it was not intended. I just wrote what came to mind at the time.
Comments
thank you
سعودي اوتو